الصفحة الرئيسية
>
قــصـــة
رجولة عالم
روى الدارمي أبو محمد في مسنده عن الضحاك بن موسى قال: مر سليمان بن عبدالملك بالمدينة وهو يريد مكة فأقام بها أياما. وسأل هل: بالمدينة رجل أدرك أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا: أبو حازم، فأرسل إليه، فلما دخل عليه قال له: يا أبا حازم ما هذا الجفاء؟
قال أبو حازم: يا أمير المؤمنين! وأي جفاء رأيت مني؟
قال سليمان: أتاني وجوه أهل المدينة ولم تأتني.
قال أبو حازم: يا أمير المؤمنين! أعيذك بالله أن تقول ما لم يكن ما عرفتني قبل هذا اليوم، ولا أنا رأيتك.
والتفت سليمان إلى محمد بن شهاب الزهري وقال: أصاب، الشيخ وأخطأت.
قال سليمان: يا أحازم! ما لنا نكره الموت؟
قال أبو حازم: لأنكم أخربتم الآخرة، وعمرتم دنياكم، فكرهتم أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب.
قال سليمان: أصبت يا أبا حازم! فكيف القدوم غدا على الله تعالى؟
قال أبو حازم: أما المحسن فكالغائب يقدم على أهله، وأما المسيء فكالآبق يقدم على مولاه. فبكى سليمان وقال: ما لنا عند الله؟
قال أبو حازم: اعرض عملك على كتاب الله. قال سليمان: وأي مكان أجده؟ قال أبو حازم: ( إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم ).
قال سليمان: فأين رحمة الله يا أبا حازم؟
قال أبو حازم: رحمة الله قريب من المحسنين.
قال سليمان: يا أبا حازم: فأي عباد الله أكرم؟ قال أبو حازم: أولو المروءة والنهى. قال سليمان: فأي الأعمال أفضل؟ قال أبو حازم: دعاء المحسن إليه للمحسن.
قال سليمان: فأي الصدقة أفضل؟ قال أبو حازم: للسائل البائس وجهه المقل، ليس فيها من ولا أذى.
قال سليمان: فأي القول أعدل؟ قال أبو حازم: قول الحق عند من تخافه أو ترجوه.
قال سليمان: فأي المؤمنين أكيس؟
قال أبو حازم: رجل عمل بطاعة الله ودل الناس عليها.
قال سليمان: فأي المؤمنين أحمق؟ قال أبو حازم: رجل انحط في هوى أخيه وهو ظالم، فباع آخرته بدنيا غيره.
قال سليمان: فكيف لنا أن نصلح؟
قال أبو حازم: تدعون الصلف، وتمسكون بالمروءة وتقسمون بالسوية.
قال سليمان: فكيف نفعل في أموالنا؟
قال أبو حازم: تأخذه من حله، وتضعه في أهله
قال سليمان: هل لك يا أبا حازم أن تصحبنا، فتصيب منا ونصيب منك.
قال أبو حازم: أعوذ بالله!!!
قال سليمان: ولم ذاك؟!
قال أبو حازم: أخشى أن أركن إليكم شيئا قليلا، فيذيقيني الله ضعف الحياة وضعف الممات....
قال سليمان: يا أبا حازم! ارفع إليا جوائجك.
قال أبو حازم: تنجيني من النار وتدخلني الجنة.
قال سليمان: ليس ذلك إلي.
قال أبو حازم: فما لي إليك حاجة غيرها.
قال سليمان: فادع لي.
قال أبو حازم: اللهم إن كان سليمان وليك، فيسره لخير الدنيا والآخرة وإن كان عدوك فخذ بناصيته إلى ما تحب وترضى.
قال سليمان: فقط؟!
قال أبو حازم: قد أوجزت وأكثرت إن كنت من أهله، وإن لم تكن من أهله فما ينبغي أن أرمي عن قوس لا وتر لها.
قال سليمان: أوصني!
قال أبو حازم: سأوصيك وأوجز،عظم ربك، ونزهه أن يراك حيث نهاك، أو يفقدك حيث أمرك.
المزيد |